محرك البحث

بـحـث متـخصص

مدونة تهتم بتسهيل وتبسيط مختلف المعاملات الإدارية وغيرها لتيسير معيشة المواطن المغربي

اخر اخبار قناة العربية

التعليم عن بعد

إن النجاح الذي أحرزه التعليم عن بعد في سنوات القرن العشرين الأخيرة و سنوات بداية القرن الحادي والعشرين، يمكن تفسيره بتضافر ثلاث ظواهر هي:
-          ازدياد الطلب لهذا النوع من التعليم.
-          الحاجة الاقتصادية إلى التخفيض من تكلفة التعليم.
-    غزو تِقانة الاتصال السريع المتعددة الوسائط لمختلف قطاعات النشاط، ويشمل ذلك التعليمَ، ذلك أن الاهتداء إلى استخدام الوسائل الإعلامية وسائلَ تعليميةً كان المنطلق للتطورات التي نشهدها اليوم.

 فهل التعليم عن بعد هو التعليم بالمراسلة، أو هو التعليم عن طريق الاستفادة من وسائط الاتصال الحديثة المتعددة الوسائط، كالحاسوب والهاتف التعليمي والإذاعة والتلفزة وأخيراً شبكة الإنترنت؟
هذا الاختلاف في تَعَرُّف التعليم عن بعد، يُبرز اختلافاً في تعريفه، فيرى بعض التربويين أنه مجرد وسيلة من وسائل التعليم، يستخدم تقنيات العرض عن طريق الوسائط المتعددة لإبلاغ التعليم إلى متعلمين موجودين بأماكن بعيدة... هذا التعريف، يختزل التعليم عن بعد ولا يعبر عن حقيقته، ولا يذكر شيئاً عن تشعب المعلومات التي يعتمدها. ويرى فريق آخر أن التعليم عن بعد أكثر من وسيلة للتعليم، فهو منظومة متفرعة يصعب ردها إلى الأنظمة التقليدية للتعليم، من حيث تسييرها التنظيمي أو التعليمي. فخصائصه تتمثل أساساً في العلاقات الجديدة التي تقوم بين التعلم والتعليم. فالتعلم عن بعد والتعليم عن بعد يقتضيان تعييراً أساسياً في الممارسات والوسائل التعليمية للتغلب على بعد المسافة وانعزال المتعلم، ويترتب على ذلك تحول عميق في الأدوار والمهام الموكولة إلى المعلمين، وفي المقاربة التعليمية التي ينبغي تصورها على أساس التعلم الذاتي. وتقتضي هذه التغييرات إعادة تنظيم وظيفة نظام التعليم، فيأخذ مظهر مركز إنتاج للأدوات التعليمية وتوزيعها، فيعتمد المتعلم على هذه الأدوات التي توفرت لديه لمواصلة تعلمه، مسايراً متطلبات التعلم الذاتي مستعيناً –عند الحاجة- بالموارد الأخرى التي توفرها هذه المنظومة. لذلك فإن نموذج التعليم عن بعد يوصي بتحديد معايير تساير التعلم والتعليم، وتزيد عن معطيات الإطار التعليمي التقليدي الذي يقوم التعليم فيه على التعليم الشفاهي (المواجهة) وتتمركز العملية التعليمية فيه في مبادرة المعلم وفي العلاقة التي يقيمها بينه وبين متعلميه...وعلى هذا الأساس فإن طرق التعليم التي تستخدم وسائل الإعلام وتتجه إلى الأفراد، لا يمكن اعتبارها من أساليب التعليم عن بعد، إلا إذا كانت مندمجة ضمن مجموعة من أنشطة التعلم، وضمن متابعة تعليمية تفاعلية، كإعداد عمليات التعليم من قِبَل مرشد، وتسهيل اللقاءات بين المتعلمين وغيرهم.
خصائص التعليم عن بعد:
للتعليم عن بعد جملة من الخصائص، يمكن إيجازها على النحو التالي:
1-  المعلم والمتعلم بعيدان أحدهما عن الآخر مكانيّاً، ويمنع –هذا البعد- أي اتصال بينهما، ويحرم المتعلم من الاتصال ببيئة التعليم التقليدية، كالمكتبات والخدمات المتصلة بها، وتبادل الخبرات مع بقية المتعلمين، والمشاركة في الأنشطة الثقافية، والتشاور مع هيئة التعليم ... وغير ذلك.
ولتعويض هذا النقص، يتعين على منظومات التعليم عن بعد أن تساعد المتعلم، وأن تستحثه على إيجاد بيئة تعليمية لنفسه، فيستغل الموارد التي توفرها له بيئته الخاصة.
2-  تضطلع المؤسسة –في التعليم عن بعد- بدور هام في صلب العملية التعليمية فهي –ولا المعلم- التي تقدم التعليم، وتتولى متابعة أعمال المتعلم وتساعده في تحقيق تعلمه الذاتي، فتقدم له بنية أساسية غنية بالخدمات، وهذا ما يضعف من العلاقة التقليدية بين المعلم والمتعلم، بل لم يبق لوجودها في التعليم عن بعد أي دور هام إلا في بعض التخصصات التطبيقية.
3-   تستخدم الوسائط الإعلامية ضمن مجموعة مندمجة:
فالموارد المدروسة، وأنشطة التدريب، والفروض (الوظائف المنزلية) والامتحانات والتوصيات ... تبلغ إلى المتعلمين عن طريق الوسائط الإعلامية المتعددة، ويتولّى كتابة النصوص وتحليل الخبرات وتوزيعها وصياغة الرسالة التعليمية خبراء متخصصون، ويقوم الخبراء الإعلاميون بوظيفة إيجاد ظروف تفاعلية للتعليم والتعلم وتوفير بيئات تعليمية مكتملة ومستقلة.
4-  يمثل التواصل –الثنائي الاتجاه- جزءاً من عناصر التعليم عن بعد فهذا التعليم يتطلب مشاركة نشطة من المتعلمين، ووضع تجهيزات للاتصال الثنائي الاتجاه، لتمكين المتعلمين   والمرشدين من تبادل المعلومات، وتمكين المتعلمين من استخدام هذه الأجهزة للتواصل فيما بينهم، ويمكن أن يجريَ هذا الاتصال عن طريق الهاتف أو البريد، فهي أكثر الأجهزة استعمالاً لمرونتها وقلة تكلفتها المالية. وقد تبين أنها من وسائل الناجعة لتنشيط التعلم والاستجابة للحاجات الخاصة بكل متعلم.
5-    اللقاءات:
يجب تمكين المتعلمين من إقامة علاقات اجتماعية فيما بينهم، ومن تبادل الآراء حفي محتوى التعليم ومناقشة المشاكل التي تعترضهم أثناء التعلم، ويضطلع المرشد بدور الميسر لهذه اللقاءات والمساعدة على التعلم،
6-    تستوحي طريقة التعليم عن بعد أساليبها من الإنتاج الصناعي...
فالتعليم عن بعد يؤدي إلى إحداث تغييرات عميقة في أساليب عمل الموظفين التربويين والإداريين، فيما يتعلق بالاهتمام بتنمية الإنتاج وتنظيمه وتوزيعه لتعليم الجماهير... إن تخصيص المهام والتنظيم العقلاني للعمل، والبيئة التسلسلية، ومراقبة الإنتاج والدراسة التحليلية للأسواق فيما يخص المنتجات التعليمية كلها ممارسات، تميز بصفة أساس طريقة التعليم عن بعد.

مسوغات التعليم عن بعد:
تهدف مشاريع التعليم عن بعد –في بعض الحالات- إلى تحقيق أهداف تماثل أهداف الشبكات التقليدية، فهي تسعى لِتمكين جماهير تقليدية من الوصول إلى برامج تعليمية وأكاديمية، وتستهدف في حالات أخرى تعليم جماهير جديدة، فتقدم لها برامج التعليم طريقة لا تندرج بالضرورة في برامج تعليمية تفضي إلى الحصول على شهادة.
وبَوَجْهٍ عام، غايات التعليم عن بعد تفصح عن توجهات اجتماعية أو عن أوضاع ثقافية معينة ... وإضافةً إلى ذلك توجد جملة من المسوِّغات تكاد تكون عالمية تنتسب إلى منظومات التعليم عن بعد , مثل التغلب على البعد، والتخفيض من التكلفة التي يسعى التعليم عن بعد لِحذفها .. وهذه بعض الأهداف :
1-    التغلب على بعد المسافة:
إن الذين لا يستطيعون الوصول إلى الشبكات المعهودة للتعليم , يمكنهم بفضل التعليم عن بعد الحصول على التعليم الجيد , باستخدام أجهزة اتصال ناجعة ذات تكاليف أقل من التي يقتضيها التعليم المباشر .
2-    التخفيض من التكلفة:
إن المنظومات الكبيرة للتعليم عن بعد، التي أمكن متابعتها في العقود الأخيرة من القرن العشرين، تعمل على أساس أن تكلفة التعليم عن بعد هي أقل من تكلفة التعليم في الجامعة، فهي منظومات تعمل بعدد محدود من الموظفين المتخصصين، وليس لها أن تنفق الأموال في هياكل لاستيعاب المتعلمين، أو في تجهيزات تعليمية، أو في بعض الخدمات المكملة للتعليم الجامعي. وهي تحقق توازنها المالي بالملاءمة الدائمة بين تكلفة العمليات وعدد المتعلمين المسجلين. وكما هو الشأن في حالة معظم المؤسسات، فهي تتغلب على الصعوبات المالية بالتحكم في النفقات وبالزيادة في المداخيل، والنجاح الاقتصادي الذي تحققه منظومات التعليم عن بعد يسترعي الاهتمام حتى في أوساط التعليم التقليدي.
3-    سَدُّ الحاجات الاجتماعية والتعليمية:
يتمكن التعليم عن بعد من سَدُّ الحاجات الاجتماعية والتعليمية للمجموعات... فالمجتمعات التي تسعى لِنشر التعليم على نطاق واسع، أو تبذل جهودها الرامية إلى رفع مستوى التعليم لديها... كثيراً ما تجد في التعليم عن بعد حلاً مرضياً لخدمة جمهورها المستهدف.
إن مبدأ الوصول إلى التعلم، الذي يضمنه التخلص من القيود المتصلة بالبعد المكاني ترافقه مرونة في تطبيق شروط القبول في برامج التعليم عن بعد، وفي الاعتراف بالمعلومات المكتسبة.. فالجامعات المفتوحة مثلاً تقبل أن يكون متعلماً فيها كل راشد يرغب في ذلك، ويقيم الدليل على قدرته على متابعة تحصيله. وفي المؤسسات المفتوحة التي حررت شروط الالتحاق بتعليمها، بإمكان المتعلم الكبير –إذا ما قُبل- أن يحصل على تعليم يساوي بل يفوق التعليم الذي يمكن أن يتلقاه داخل مؤسسة تعليمية تقليدية.
لقد لقيت طريقة التعليم عن بعد حظوة لدى الكبار لما لها من صيغة عملية، ولأنها تستجيب لتغيير في العقليات، فالكبار ينزعون إلى التخلص من الوهم الثقافي الذي كان يدفع إلى الاعتقاد بأنه لا مجال للتعلم، بعيداً عن المدرسة وعن المعلم وعن قاعات التعليم... فوسائط الإعلام الجماهيري والتجارب الصناعية والبحوث الشخصية أصبحت وسائل معترفاً بها للمتعلم، فصار ينظر إلى التعلم باعتباره مسايرة ذاتية لاكتساب المعرفة يقوم به المتعلم بصفة مستقلة.
يعتبر التعليم عن بعد عاملاً من عوامل الفاعلية الاجتماعية التي تتطلع إليها المجتمعات الصناعية المتقدمة، وأصبح الناس يعتقدون أنها قادرة على الاستجابة لفئات اجتماعية ترغب في استكمال معلوماتها والانفتاح على آفاق معرفية جديدة.
4-    إضفاء روح المسؤولية على التعلم:
يترك التعليم عن بعد نصيباً وافراً من المسؤولية في تنظيم البيئة التعليمية، فمؤسسة التعليم عن بعد تعد المواد التعليمية وتقدم الخدمات التعليمية اللازمة... على حين يتحمل المتعلم الكبير مسؤولية تعلمه الذاتي، مع الأخذ في الاعتبار ضرورة مراعاة الصعوبات التي يواجهها المتعلمون الكبار الذين تعلموا تعليماً تقليدياً، ولم يكتسبوا المهارات المطلوبة للتعلم بصفة مستقلة، ويتعين على منظومة التعليم عن بعد أن توفر لهم التأهيل والمتابعة الملائمة ليتمكنوا من تطوير المهارات التي تؤهلهم للقيام بمسايرة التعلم الذاتي.

مميزات تنظيمية:
كيف نصل إلى تعليم ناجع لعدد متزايد من المتعلمين وبتكاليف أقل؟
لابد من تطوير الطريقة التي تسير عليها المنظومة التعليمية التقليدية، فتتحول دار التعليم إلى دار إنتاج للمواد التعليمية، تكون صالحة للبث بالأجهزة الإعلامية لإبلاغها إلى أشخاص عديدين بعيدين مبعثرين جغرافياً، وغير متجانسين من حيث الأعمال ودرجات التعليم.
إن تجزئة المقررات التعليمية إلى سلسلة من الأنشطة لتصوير المادة التعليمية وإنتاجها وتوزيعها يؤدي إلى اشتراك مجموعة من المختصين .. يشتركون في إعداد محتوى الدروس، وفي تِقانة التعليم، وفي تحرير النصوص وإنتاج الوثائق.. يضاف إلى هؤلاء مختصون في التأهيل ومستشارون ومرشدون ومنِّشطون يتولون متابعة الدروس أثناء نشرها.
ينبغي الاعتماد على إدارة تضم موظفين متعددي التخصصات لتنسيق عمليات كتابة النصوص وإنتاجها وبرمجتها وإرسالها للمتعلمين مصحوبة بالوثائق السمعية البصرية، وتأهيل المتعلمين على تشغيلها والاستفادة من محتوياتها.. وهذه العمليات العديدة والمتشعبة يخضع تنظيمها لِخطيط شامل وإدارة دقيقة حتى يمكن بلوغ أعلى درجة من الفاعلية.
وخلاصة القول: إن المتعلم الكبير الذي لا يتوفر له معلمون في مكان إقامته يجد نفسه في عزلة عن بقية المتعلمين وبعيداً عن معاهد التعليم، وليس له سوى اختيار التعلم الذاتي، والتعليم عن بعد. وهو في اختياره هذا يراهن على قدرته على القيام بتحقيق متطلبات هذا التعليم معتمداً على جهوده الشخصية المستقلة. وهذا النوع من التعلم يقتضي منه أن يكون لديه معرفة كاملة بقدراته الذاتية، فيستطيع تشخيص حاجاته واختيار الوسائل الملائمة لِسَدِّها، وعليه أن يتعلم كيف يَتَعَّرف كفاءاته وعاداته في التعليم، وقدراته في تنظيم أوقات التعليم وفتراته في إطار حياته اليومية، فما يتمتع به من استقلالية في التعليم قد يكون أكثر مما هو متاح لأمثاله من المتعلمين في التعليم التقليدي. فقد تحرر من ضبط الزمان والمكان وطول العام الدراسي والزمن اللازم لإتمام برامج الدراسة.. فهذه أمور ليست قيوداً بعد الآن في التعليم عن بعد، فهذا التعليم يمكنه من تنظيم سير تعلمه الذاتي بكل حرية ومسؤولية، وتوفر له –عند الحاجة- موارد تعليمية و تعلمية.
الوسطاء:

إن عمليات المتابعة التعليمية التعلمية وإعداد الدروس، تهدف أساساً إلى ملاءمة محتوى التعليم مع حاجات كل متعلم. وإذا كانت دروس التعليم عن بعد تقدم على شكل مواد تامة الصنع، ثابتة المحتوى، لا تقبل التغيير، كانت هذه الدروس قد وضعت لخدمة جمهور عريض، فإن دور الوسطاء يتمثل أساساً في جعل التعليم يتلاءم مع ما ينتظره المتعلم، ويتكيف حسب حاجاته، ويساعده على حل مشكلاته.
إن الاتصالات التي يقيمها المرشدون مع المتعلمين تقدم لهم المساعدة والموارد اللازمة لحل مشاكلهم.. كذلك تشكل أنشطة المرشدين في مجال التأهيل دافعاً لترغيب المتعلمين.
فالاتصالات مع المرشدين تقوي من عزيمة المتعلمين، ولقاءات المجموعات تمكنهم –أيضاَ- من مشاطرة تجاربهم في مجال التعليم، ومن إنجاز تمارين مشتركة ضمن فريق عمل.. فيجد المتعلم في ذلك كله تكملة لما هو في حاجة إليه لتحقيق تعلمه.
وباختصار، فإن التعليم عن بعد نتاج لتنظيم أنشطة وموارد تعليمية يستعملها المتعلم بصفة مستقلة وفق رغبته الخاصة، دون أن يفرض عليه الخضوع للقيود المكانية والزمانية، أو إلى العلاقات السلطوية الموجودة في التعليم التقليدي، وبصفة أخص يمكن تعريف التعلم عن بعد أنه صيغة تعليمية ذات إمكانات كبيرة تمكن المتعلم من إعادة علاقته بالمعرفة ومن استخدام الموارد التعليمية والتأهيلية الموضوعة تحت تصرفه في نطاق ونمط للتعلم الذاتي.          

التوقيع:
تقبلوا مني فائق الشكر والاحترام
اتق الله حيث ما كنت واتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن

مرات مشاهدة الصفحة في الأسبوع الماضي

;